الإثنين, 20 05 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الصفحة الرئيسية

معركة الجمل

sample imgage

من المعلوم أنّ أمير المؤمنين علياً بن أبي طالب(عليه السلام) قد بويع بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان على أيدي الثائرين من سائر أقطار العالم الإسلامي آنذاك بسبب تسليط بني أمية على شؤون الخلافة الإسلامية، ومن الرسائل المهمّة التي تشير إلى أسباب الثورة رواية أوردها محمد بن إسحاق بن يسار المدني عن عمّه عبد الرحمن، أنّه قال :(لما رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى من بالآفاق منهم-وكانوا قد تفرّقوا في الثغور- "إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزّ وجلّ، تطلبون دين محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ دين محمد قد أُفْسَدِ من خلفكم وتُرِك، فهلمُّوا فأقيموا دين محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، فأقبلوا من كلّ أفقٍ حتّى قتلوه)، ومن جملة الأسباب أيضاً أمره لواليه على مصر بقتل بعض الصحابة وسجن البعض الآخر وأخذ أموال بعض ثالث منهم، وكان مقتل عثمان سنة خمس وثلاثين للهجرة في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة.

 

وبعد مقتل عثمان بايع المسلمون الإمام علياً(عليه السلام) بالخلافة، وعلى رأسهم أهل الحلّ والعقد آنذاك وكان أول من بايع طلحة والزبير، وكان لطلحة يد شلاء "مشلولة"، ولذا قال بعضهم: (أول من بدأ بالبيعة يد شلاء، لا يتمّ هذا الأمر)، وقد تمّت البيعة قبل انقضاء شهر ذي الحجة بخمسة أيام أيّ في نهاية سنة خمس وثلاثين للهجرة تقريباً.

إلاّ أنّ مبايعة طلحة والزبير للإمام علي(عليه السلام) كانت عن غير اختيارهما لأنّ كلّ واحدٍ منهما كان يتمنّاها لنفسه، حتّى ورد أنّ طلحة استولى على بيت المال وأقام الصلاة بالناس عندما حاصر الثائرون الخليفة الثالث "عثمان" في داره، ولكن طلحة عندما رأى أنّ الأكثرية الساحقة من أصحاب الشأن ومن سائر الأقطار الإسلامية قد اتّفقوا على مبايعة الإمام رضخ للأمر الواقع.

وبعد انتهاء البيعة أراد الأمير(عليه السلام) تصحيح الخلل الذي حدث سواء من حيث تعيين الولاة أو إعادة توزيع أموال بيت المال على المسلمين بالعدل والقسط، مُضافاً إلى تنقية سيرة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا دخل عليها منذ رحيله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى زمن استلام الأمير(عليه السلام) للخلافة، لم يمهله الطامعون للخلافة الوقت الكافي، وكان أول من نكث البيعة هو "طلحة" وكان الأمير(عليه السلام) قد أشار إلى ذلك عندما بايعه طلحة فقال "ما أخلفها أن تنكث".

وسبب نكث طلحة والزبير لبيعة الإمام علي(عليه السلام) أنّهما كانا يطمعان أن يعيّنهما الإمام في ولايتي البصرة والكوفة، ولكن لأنّ الإمام(عليه السلام) كان يعلم بمطامعهما منذ ما قبل تولّيه الخلافة لم يحقّق لهما ما كانا يطمعان إليه، فانقلبا ضدّه وصارا يتآمران عليه بمساعدةٍ من معاوية الذي أمدّهما بالمال وأغراهما بكلّ أنواع المساعدات لإضعاف حكم الأمير وخلافته مع بعض زوجات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ممّن لم يقبلن بمبايعة المسلمين للإمام علي(عليه السلام) بالخلافة لأسبابٍ لا مجال لسردها وذكرها هنا.

وكانت البداية الفعلية لمعركة الجمل الشهيرة التي قاتل فيها الإمام(عليه السلام) الناكثين للعهد والبيعة عندما طلب طلحة والزبير من الإمام(عليه السلام) أن يأذن لهما بالذهاب من المدينة إلى مكة بدعوى أنّهما يريدان أداء العمرة، فأجابهما الإمام: (والله ما أردتما العمرة بل أردتما الغدر) ثمّ سمح لهما بالمغادرة إلى مكّة فاجتمعا مع من يريد محاربة الإمام(عليه السلام) وتوجّهوا جميعاً إلى البصرة لحشد الجيوش وتجييش الناس ضدّ حكم أمير المؤمنين(عليه السلام).

وعندما رأى الإمام(عليه السلام) أنّ طلحة والزبير ومن معهما مصرّون على حربه وقتاله حشد جيشاً كبيراً من المدينة ومن ضمنه وجوه المهاجرين والأنصار وممّن اشتركوا مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في بدر وأُحد وغيرهما من معارك الإسلام الخالدة، وسار نحو البصرة لمقاتلة أولئك الناكثين للبيعة ليتفرّغ بعد ذلك لعلاج أمر معاوية الخارج عن الطاعة أيضاً.

وقبل حصول المعركة أرسل الإمام(عليه السلام) مبعوثين إلى طلحة والزبير لإقناعهما بعدم القتال وحقن دماء المسلمين، إلاّ أنّهما رفضا وأصرّا على حرب الإمام(عليه السلام)، وهكذا بدأت الحرب بين الجيشين وكانت شرارتها مقتل أحد جنود جيش الإمام(عليه السلام) عندما حمل المصحف ووقف بين الجيشين يدعو إلى حقن الدماء فرماه جيش الناكثين بالسهام والنبال حتّى سقط شهيداً.

وانتهت معركة الجمل بهزيمة الناكثين وقُتِلَ طلحةُ والزبير، وأمر الإمام(عليه السلام) بإعادة زوجة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة وكان الذي أرجعها هو أخوها محمد بن أبي بكر وكان من أصحاب الأمير(عليه السلام).

وسبب تسمية المعركة هذه ب"الجمل" أنّ زوجة النبي التي ثارت ضدّ الإمام كانت راكبة لجملٍ ومن على ظهره كانت تشدّ على الرجال من جيشها لمحاربة الإمام(عليه السلام).

وهكذا انتهت هذه المعركة التي كانت إحدى المعارك التي حارب فيها الإمام(عليه السلام) قسماً ممّن نكثوا أو تخلّفوا عن بيعته، وقد قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي(عليه السلام) :(ستقاتل بعدي القاسطين والناكثين والمارقين)، أو كما في قوله الآخر له: (ستقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت أنا على التنزيل).

والحمد لله ربّ العالمين